الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} لا يقيمون الشهادة الباطلة، أو لا يحضرون محاضر الكذب فإن مشاهدة الباطل شركة فيه. {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ} ما يجب أن يلقى ويطرح. {مَرُّواْ كِرامًا} معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه، ومن ذلك الإِغضاء عن الفواحش والصفح عن الذنوب والكناية عما يستهجن التصريح به.{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بئايات رَبّهِمْ} بالوعظ أو القراءة. {لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} لم يقيموا عليها غير واعين لها ولا متبصرين بما فيها كمن لاَ يسمع ولا يبصر، بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية، فالمراد من النفي نفي الحال دون الفعل كقولك: لا يلقاني زيد مسلمًا. وقيل الهاء للمعاصي المدلول عليها {باللغو}.{والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أزواجنا وذرياتنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} بتوفيقهم للطاعة وحيازة الفضائل، فإن المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة الله سر بهم قلبه وقرت بهم عينه لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة، و{مِنْ} ابتدائية أو بيانية كقولك: رأيت منك أسدًا، وقرأ حمزة وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر {وذريتنا} وقرأ ابن عامر والحرميان وحفص ويعقوب {وذرياتنا} بالألف، وتنكير ال {أَعْيُنٍ} لإِرادة تنكير ال {قُرَّةَ} تعظيمًا وتقليلها لأن المراد أعين المتقين وهي قليلة بالإِضافة إلى عيون غيرهم.{واجعلنا للمتقين إماما} يقتدون بنا في أمر الدين بإضافة العلم والتوفيق للعمل وتوحيده إما للدلالة على الجنس وعدم اللبس كقوله: {ثم يخرجكم طفلا} أو لأنه مصدر في أصله أو لأن المراد واجعل كل واحد منا أو لأنهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم، واتفاق كلمتهم وقيل جمع آم كصائم وصيام ومعناه قاصدين لهم مقتدين بهم.الفرقان: (75) أولئك يجزون الغرفة....{أولئك يجزون الغرفة} أعلى مواضع الجنة وهي اسم جنس أريد به الجمع كقوله تعالى: {وهم في الغرفات آمنون} وللقراءة بها وقيل هي من أسماء الجنة {بما صبروا} وبصبرهم على المشاق من مضض الطاعات ورفض الشهوات وتحمل المجاهدات {ويلقون فيها تحية وسلاما} دعاء بالتعمير والسلامة أي يحييهم الملائكة ويسلمون عليهم أو يحيي بعضهم بعضا ويسلم عليه أو تبقيه دائمة وسلامة من كل آفة وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر {يلقون} من لقي [الفرقان: 76] {خالدين فيها} لا يموتون فيها ولا يخرجون {حسنت مستقرا ومقاما} مقابل {ساءت مستقرا} معنى ومثله إعرابا.[الفرقان: 77] {قل ما يعبأ}.{قل ما يعبأ بكم ربي} ما يصنع بكم من عبأت الجيش إذا هيأته أو لا يعتد بكم {لولا دعاؤكم} لولا عبادتكم فإن شرف الإنسان وكرامته بالمعرفة والطاعة وإلا فهو وسائر الحيوانات سواء وقيل معناه ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة إن جعلت استفهامية فمحلها النصب على المصدر كأنه قيل أي عبء يعبأ بكم {فقد كذبتم} بما أخبرتكم به حيث خالفتموه وقيل قصرتم في العبادة من قولهم كذب القتال إذا لم يبالغ فيه وقرئ فقد كذب الكافرون أي الكافرون منكم لأن توجه الخطاب إلى الناس عامة بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب {فسوف يكون لزاما} يكون جزاء التكذيب لازما يحيق بكم لا محالة أو أثره لازما بكم حتى يكبكم في النار ووإنما أضمر من غير ذكر للتهويل والتنبيه على أنه لا يكتنهه الوصف وقيل المراد قتل يوم بدر وأنه لوزم بين القتلى لزاما وقرئ {لزاما} بالفتح بمعنى اللزوم كالثبات والثبوت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الفرقان لقي الله وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأدخل الجنة بغير نصب. اهـ.
.قال نظام الدين النيسابوري: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51)}.التفسير: إنه سبحانه لما قرر سيرة القوم من كفران النعمة وإيذاء النبي أراد تهييج نبيه على استمرار الدعوة. وفي الآية لطف ممزوج بنوع تأديب وإرشاد وفحواه ولو شئنا لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى، وبعثنا في كل قرية نبيًا، ولكن خصصناك برسالة الثقلين إجلالًا وتعظيمًا، فقابل هذا التفضل بالتشدد بالدين ففي أول الآية بيان كمال الاقتدار وأنه لا حاجة به إلى نبي محمدًا كان أو غيره، ولكن في مفهوم لو دلالة على أنه لم يفعل ذلك بل خصه بهذا المنصب الشريف لكمال العناية به وبأمته، فعليه أن يترك طاعة الكافرين فيما يريدونه عليه مما يوافق أهواءهم.النهي كقولك للمتحرك لا تسكن لا كقولك للساكن لا تسكن فإنه صلى الله عليه وسلم لم يترك طاعة الله طرفة عين. ثم بالغ في النهي بأن أمره بضدّه قائلًا {وجاهدهم به} أي بالقرآن أو بترك طاعتهم أو بسبب كونك نذير القرى كلها لأنه لو بعث في كل قرية نذيرًا لم يكن على كل نذير إلا مجاهدة قريته. وحين اقتصر على نذير واحد لكل القرى وهو محمد صلى الله عليه وسلم فلا جرم اجتمع عليه تلك المجاهدات كلها فكبر جهاده وعظم وصار جامعًا لكل مجاهدة، ثم ذكر دليلًا رابعًا على التوحيد فقال: {وهو الذي مرج البحرين} اي خلاهما وارسلهما متجاورين متلاصقين. يقال: مرجت الدابة أي خليتها لترعى. وسمى الماءين الكثيرين بحرين. والفرات البليغ العذوبة، والتركيب يدل على كسره العطش بخلاف الأجاج وهو الملح فإنه يدل على الشدة والتوهج. وقوله: {هذا} إشارة إلى ما ارتسم في الذهن بعد ذكر البحرين والبرزخ الحائل الذي جعل الله بينهما من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج {وحجرًا محجورًا} كلمة يقولها المتعوذ كما قلنا في السورة كأن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ويقول له هذا القول، ونظيره في سورة الرحمن {بينهما برزخ لا يبغيان} [الرحمن: 20] فانتفاء البغي ثمة كالتعوّذ هاهنا وكل منهما مجاز في غاية الحسن. سؤال: لا وجود للبحر العذب فكيف ذكره الله تعالى؟ والجواب من وجهين: أحدهما أن في البحار مواضع فيها مياه عذبة يعرفها الملاحون يحمل منها الماء إلى حين الوصول إلى الموضع الآخر. وثانيهما لعل المراد من البحر العذب الأودية العظام كالنيل والفرات وجيحون، ومن البحر الأجاج البحار المشهورة، والبرزخ بينهما الحائل من الأرض ووجه الاستدلال على هذا الوجه أن يقال: العذوبة والملوحة إن كانتا بسبب طبيعة الأرض أو الماء فلابد من الاستواء وإلا فلابد من قادر مختار يخص كل واحد من الماءين بصفة مخصوصة. الاستدلال الخامس: من أحوال خلقة الإنسان والماء إما العنصر كقوله: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} أو النطفة. ومعنى {فجعله نسبًا وصهرًا} أنه قسم البشر قسمين ذوي نسب وذوات صهر، والأول الذكور ينسب إليهم فيقال: فلان وفلانة بنت فلان ومنه أخذ الشاعر:والثاني الإناث التي يصاهر بهن ونحوه قوله عز من قائل {فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} [القيامة: 39] والأصهار أهل بيت المرأة عن الخليل. قال: ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان.يقال: صاهرت إليهم إذا تزوّجت فيهم. {وكان ربك قديرًا} حين خلق من ماء واحد صنفين مختلفين بل أشخاصً متباينة لا تكاد تنحصر.ثم عاد إلى تهجين سيرة عبدة الأوثان فقال: {ويبعدون} الاية. يروى أنها نزلت في أبي جهل المراد بالكافر والأولى حمله على العموم. والظهير المظاهر أي المعاون أي هذا الجنس يظاهر الشيطان على ربه بالشرك والعداوة. والمظاهرات على الرب هي المظاهرة على رسوله أو على دينه، ويجوز أن يكون الظهير جمعاص كقوله: {والملائكة بعد ذلك ظهير} [التحريم: 4] والمعنى أن بعض الكفرة مظاهر لبعض على إطفاء نور دين الله جل وعلا. وقال أبو مسلم: هو من قولهم ظهر فلان بحاجتي إذا نبذها وراء ظهره. والمراد أن الكافر وكفره هين على ربه غير ملتفت إليه. قوله: {وما ارسلناك} إلى قوله: {سبيلًا} وجه تعلقه بما قبله أن الكفار يطلبون العون على الله وعلى رسوله ولا أجهل ممن استفرغ جهده في إيذاء من يبذل وسعه في إصلاح مهماته دينًا ودنيا حتى يبشرهم على الطاعة وينذرهم على المعصية ولا يسألهم على ذلك أجرًا إلا أن يشاؤا التقرب بالإنفاق في الجهاد وغيره فيتخذوا به سبيلًا إلى رحمة ربهم ونيل ثوابه. ومعنى الاستثناء عن الأجر والتقدير إلا فعل من شاء هو معنى قولك لمن سعيت له في تحصيل مال ما أطلب منك ثوابًا على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه، فيكون في تسمية حفظ المال ثوابًا. فائدتان: إحداهما قلع شبهة الطمع في شيء من الثواب، والثانية إظهار الشفقة وأنه إن حفظ ماله رضي الساعي به كما يرضى المثاب بالثواب هذا ما قاله جار الله. وقال القاضي: معناه لا أسألكم أجرًا لنفسي واسألكم أن تطلبوا الأجر لأنفسكم باتخاذ السبيل إلى ربكم بالإيمان والطاعة. ولما بين أن الكفار متظاهرون على إيذائه وأمره أن لا يطلب منهم أجرًا ألبتة أمره بأن يتوكل عليه في دفع المضارّ وجلب المنافع ويتمسك بقاعدة التنزيه والتحميد. وفي وصفه ذاته بالحي الذي لا يموت إشارة إلى أن الذي يوثق به في المصالح يجب أن يكون موصوفًا بهذه الصفة وليس إلا الله وحده. وعن بعض السلف أنه قرأها فقال: لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق وإلا صار ضائعًا إذا مات ذلك المخلوق. ثم ختم الآية بما لا مزيد عليه في الوعيد أي لا يحتاج معه إلى غيره لأنه خبير بأحوالهم قادر على مجازاتهم. ومعنى كفى به أي حسبك وهذه كلمة يراد بها المبالغة كقولك كفى بالعلم جمالًا وكفى بالأدب مالًا. ثم زاد لعلمه وقدرته مبالغة وبيانًا فقال: {الذي خلق}. إلخ. وقد سبق تفسيره في الأعراف وأما قوله: {فاسأل به خبيرًا} ففيه وجوه.قال الكلبي: الضمير في {به} يعود إلى ما ذكر من خلق السماء والأرض والاستواء على العرش. والباء من صلة الخبير قدمت لرعاية الفاصلة وذلك الخبير هو الله عز وجل لأن كيفية ذلك الخلق والاستواء لا يعلمها إلا الله سبحانه. وعن ابن عباس أن ذلك الخبير هو جبرائيل. وقال الأخفش والزجاج: الباء بمعنى عن فسأل به مثل اهتم به واشتغل به وسأل عنه كقولك بحث عنه وفتش عنه. قال تعالى: {سأل سائلٍ بعذاب واقع} [المعارج: 1]. وقال ابن جرير: الباء زائدة والمعنى فاسأله حال كونه عالمًا بكل شيء. وجوز جار الله أن تكون الباء تجريدية كقولك رأيت به أسدًا أي برؤيته. والمراد فاسال بسؤاله خبيرًا أي إن سألته وجدته عالمًا به. وقيل: الباء للقسم ولعل الوجه الأول أقرب إلى المراد نظيره {ولا ينبئك مثل خبير} [فاطر: 14].ثم أخبر عن قوم أنهم {قالوا وما الرحمن} والواو عاطفة وقعت في كلام فحكى كما هو فاحتمل أ، هم جهلوا الله سبحانه، واحتمل أنهم عرفوه لكن جحدوه، واحتمل أنهم عرفوه بغير هذا الاسم فلهذا سألوا عنه، ومن هنا ذهب بعضهم إلى تفسير آخر لقوله: {فاسأل به خبيرًا} وهو أن الرحمن اسم من أسماء الله تعالى مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل: فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى يعرف من ينكره وكانوا يقولون: ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة. قال القاضي: والأقرب أن المراد إنكارهم لله لا للاسم لأن هذه اللفظة عربية وهم يعلمون أنها تفيد المبالغة في الأنعام. ثم إن قلنا: إنهم كانوا منكرين لله فاسؤال عن الحقيقة كقول فرعون {وما رب العالمين} [الشعراء: 23] وإن قلنا: إنهم كانوا مقرين لكنهم جهلوا أنه تعالى سمي بهذا الاسم فالسؤال عن الاسم. ومعنى {لما تأمرنا} للذي تأمرناه بمعنى تأمرنا بسجوده مثل أمرتك الخبير فاتسع أولًا ثم حذف ثانيًا. ويجوز أن تكون ما مصدرية أي لأمرك لنا ومن قرأ على الغيبة فالضمير لمحمد أو للمسمى بالرحمن كأنهم قالوا هذا القول فيما بينهم. والضمير في للمقول وهو اسجدوا للرحمن أي وزادهم أمره {نفورا} ومن حقه أن يكون باعثًا على الفعل والقبول. قال الضحاك: لما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئينن فمعنى الآية وزادهم سجودهم نفورًا. ومن السنة أن يقول الساجد والقارئ إذا بلغ هذا الموضع زادنا الله خضوعًا وما زاد للأعداء نفورًا. ثم ذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود للرحمن فقال: {تبارك}. إلخ. فالبروج هي الأقسام الاثنا عشر للفلك وأساميها مشهورة: الحمل والثور والجوزاء. إلخ. شبهت بالقصور العالية. واشتقاق البروج لظهوره والسراج الشمس. ومن جمع أراد الشمس والكواكب الكبار والخلفة للهيئة من الخلافة يريد الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر أي جعلهما ذوي خلفة يعقب هذا ذاك وذاك هذا ومثله قوله.
|